لم تكن تلك المعركة التي أقامها فرعون بين موسى والسحرة، والتي انتهت بتلك الهزيمة المنكرة للسحر والساحرين- لم تكن هذه المعركة، لتحسم الموقف بين موسى وفرعون، فما زاد فرعون بعدها إلا كفرا، وكبرا، واستعلاء، وإلا ضراوة وبغيا وعدوانا على بني إسرائيل..!
وإذا لم يكن في هذه الحرب السافرة، وفي الآية الكبرى التي رآها فرعون رأى العين، ما يقيم له دليلا على أن موسى مرسل من ربّ العالمين، وأن سلطان هذا الربّ سلطان عظيم، يخضع له كل ذى سلطان- فقد قامت من وراء هذه الحرب حرب خفية، لا يرى الناس مشاهدها، ولكن يشهدون آثارها..
إنهم لا يرون سيوفا تسلّ، ولا حرابا تشرع، ولكن يرون رءوسا تقطع، وجراحا تفور، ودماء تسيل، وأشلاء تتمزق وتتطاير..!
فلقد سلّط الله على فرعون وملائه ألوانا من البلاء، وصب عليهم مرسلات من النقم، وأخذهم بها حالا بعد حال، وواحدة بعد أخرى.. فما استكانوا، وما تضرّعوا، وما لانت منهم القلوب، ولا استنارت البصائر.. وفي هذا يقول الله تعالى: «وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ