فثبات المعجزتين- العصا واليد- على هذا الوجه الذي ثبتتا عليه، اقتضى أن يكون النظم المصوّر لهما، والضابط لوقوعهما، ثابتا لا يتغيرّ، قليلا أو كثيرا..
وهذا وجه من وجوه إعجاز القرآن، كما أنه وجه آخر من وجوه صدقه، فى نقل الأحداث وضبطها..
وتكرار النظم لهذه الصورة وعرضها في معرضين على هيئة واحدة، هو الذي يكشف عن هذا المعنى الذي نلحظه في هذا الإعجاز الذي حملته المعجزتين، وبانتا به عن كل ما هو في مستطاع البشر أن يبلغه في مجالهما..
وإذ يرى فرعون والملأ حوله هذا الذي كان من عصا موسى ويده، تدور به الأرض، وتعتريه رعشة الخوف، ممزوجة بالغضب والحنق والنقمة، ثم لا يجد بدا من أن يقول قولا يمسك به وجوده، ووجود الملأ من حوله، وإلا استولى موسى على هذا الموقف، وأصبح السيد المتصرف فيه..
«قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ..
«إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ..فَماذا تَأْمُرُونَ» ؟ (٣٤- ٣٥ الشعراء) وتعمل هذه القولة عملها في قوم فرعون، ويصحو القوم من هذا الذهول الذي استولى عليهم، ولكنها صحوة أشبه بصحوة المخمور، يطلع عليه ما يزعجه، فيمسك بأى شىء، ويلقى بنفسه إلى أي شىء! والقوم لا يجدون شيئا يمسكون به إلا كلمة فرعون تلك، التي ألقى بها إليهم، إنه.. يسألهم فيجيبون بما سألهم.. إذ لا يملكون- فى تلك الحال المستولية عليهم- عقلا يفكر، أو رأيا يسعف..