وأول ما طلبه إبراهيم من عطاء ربّه في هذه الدنيا، هو أن يهب الله له حكما أي سلطانا من العلم والحكمة، يمسك به حقائق الأشياء، ويقيمها على ميزانه، وبهذا يكون في المقربين الصالحين من عباد الله. ثم كان الطلب الثاني له من ربّه أن يجعل له لسان صدق في الآخرين.. أي يبقى له ذكرا طيبا في الحياة من بعده، وذلك لا يكون إلّا لأهل الخير، والصلاح، من الناس..
ففى هذا الذكر الطيب، طريق من طرق الهداية للناس، حيث ينتصب لهم منه المثل الطيب، والقدوة الصالحة، وهذا ما علّم الله عباده المتقين أن يسألوه إباه، ويدعوه به، كما يقول سبحانه على لسانهم «وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً»(٧٤: الفرقان) .. ثم يجىء الطلب الذي تختم به خاتمة الإنسان في هذه الآية، ويدرك به غاية مسعاه، وهو الفوز برضوان الله وجنات النعيم.
«وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ» .. وفي هذا النعيم العظيم، لا ينسى إبراهيم أباه، وما حرم نفسه منه، بضلاله، وشروده عن الله.. فيسأل ربّه أن يغفر لأبيه، حتى يذوق حلاوة هذا الرضوان:«وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ» .. ثم عاد إبراهيم إلى نفسه، وقد خاف أن يحرم هذا النعيم الذي هو أحرص ما يكون على أن ينال حظّه منه: «وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ