وأكثر من هذا، فقد كان صلوات الله وسلامه عليه، يستمع إلى الشعر، ويجيز على الطيب العفيف منه، كما استمع إلى قصيدة كعب بن زهير، وكان- صلوات الله وسلامه عليه- قد أهدر دمه.. فلما جاءه مستخفيا وأنشده قصيدته التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول ... متيّم إثرها، لم يفد، مكبول
والتي يقول فيها:
نبئت أن رسول الله أوعدنى ... والعذر عند رسول الله مقبول
هشّ النبي- صلوات الله وسلامه عليه- له، وعفا عنه، وخلع عليه بردته التي كان يلبسها.. وأكثر من هذا فقد كان للنبى صلوات الله وسلامه عليه شعراء، على رأسهم حسان ابن ثابت، يردّون بشعرهم على شعراء المشركين، ويلقونهم في ميدان القول، كما كانوا يلقونهم في ميدان الحرب، وكان- صلوات الله وسلامه عليه- يقول لحسان:«اهجهم وروح القدس معك» !! فكيف يكون روح القدس (وهو جبريل عليه السلام) مع شاعر يقول هذا الشعر الهجائى، ويطعن به في وجوه القوم وأعراضهم؟ أليس ذلك لأنه سلاح من أسلحة الحرب، وأنه بهذا السلاح إنما يقاتل المشركين بمثل أسلحتهم؟
ولهذا جاء قوله تعالى معقبا على آية الشعراء.. «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا» .
إن لكل مقام مقالا.. وإذا كان هذا المقام- فى حرب المشركين- يقتضى أن يكون لشعر الهجاء مكانه، فإن للشعر في مقام الخير، والإحسان، مكانا أوسع وأرحب!