سماوية من رب العالمين، وأنه سيدخل مدخل الرسل، منذ ذلك الوقت..
والمرسلون لا ينالهم من الله ما يخيفهم، ولا يطلع عليهم في حضرته إلا ما يؤنسهم، ويملأ كيانهم رضا وأمنا..
ثم لا يكاد موسى، يسعد بهذه البشرى، التي يجد بها نفسه في حضرة الله سبحانه وتعالى، حتى يعود فيسمع من قبل الحق جل وعلا:«إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ» ..!! وهنا تدور في رأسه الظنون، وتتحرك في صدره الوساوس المتسائلة: ما هذا الاستثناء الذي يزعجه عن هذا المكان الذي اطمأن فيه إلى جوار ربه، وإلى ما وجد من أنس وروح في ظلال فضله وإحسانه؟ أهو من الظالمين، الذين لا يستحقّون أن ينزلوا هذا المنزل؟
أهو مطالب بأن يبدّل حسنا بعد ما كان منه سوء، حتى ينال عفو الله ومغفرته؟
إن الاستثناء لا شك واقع على المرسلين.. فهل من المرسلين من يظلم؟
وهل كان موسى- وهو من المرسلين- ممن ظلم؟
نذكر هنا حادثة موسى، مع المصري الذي قتله..!
فقد قتل موسى، المصري خطأ، حين وجده يعتدى على إسرائيلى..
كما يقول الله سبحانه وتعالى:«وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ»(١٥- القصص) وقد استشعر موسى الندم على هذه الفعلة.. فقال:«هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ» .. ثم طلب المغفرة من ربه لهذا الذنب الذي ارتكبه.. «قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي.. فَغَفَرَ لَهُ.. إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»(١٦: القصص)