ومن ذلك أيضا قولهم في الأطعمة التي حرمها الله عليهم، نكالا بهم، وإصرا عليهم، وادعاؤهم أن هذه الأطعمة إنما حرمت على آبائهم الأولين، قبل أن تنزل التوراة، وأنها شريعة، وليست عقوبة.. وقد كذبهم القرآن فى هذا، فقال تعالى:«كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ.. مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ.. فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(٩٣- ٩٥: آل عمران) .
ففى قوله تعالى:«فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» - هو دعوة إلى اليهود أن يخرجوا.. هذا الإصر المضروب عليهم، وذلك بأن يدينوا بالإسلام الذي هو ملة إبراهيم، وبغير هذا فيكون ما حرم عليهم من طعام، هو نكال بهم، لا يرفع عنهم أبدا..
والطعام الذي حرمه الله على اليهود خاصة، عقابا لهم، هو ما أشار إليه سبحانه وتعالى في قوله:«وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ»(١٤٦- ١٤٧: الأنعام) .
ومن ذلك افتراؤهم على الله، بأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات، وأنهم مهما فعلوا من منكرات وآثام، فلن يمسهم من عذاب الله إلا هذا العذاب الهين، الذي لا يتجاوز مداه أياما معدودات، فكذبهم الله بقوله: «وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً