للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض الكلمات، فوقع له من هذا وذاك شىء من الإدراك والفهم.. وهؤلاء القوم قد ولوا على أدبارهم، وأعطوا ظهورهم لما يتلى عليهم، فلم يسمعوا شيئا، وهذا فى آذانهم من وقر، ولم يروا شيئا وقد أعطوا ظهورهم لما يلقى إليهم! قوله تعالى:

«وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ» .

فقوله تعالى: «وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ» - هو استكمال للوصف الذي عليه هؤلاء المشركون وأمثالهم.. فهم أموات، وإن كانوا في الأحياء، وهم صم وإن كانوا في السامعين، وهم عمى وإن كانوا في المبصرين..

«فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» (٤٦: الحج) وفي تعديه اسم الفاعل: «يهادى» بحرف الجرّ «عن» بدلا من حرف الحجر «من» الذي يتعدى به الفعل، فيقال هداه من ضلاله- فى هذا إشارة إلى أن هدى القوم لا يكون بأضواء الحق، وأنوار المعرفة، فهذه معنويات تهتدى بها العقول السليمة، وتستضىء بها البصائر المبصرة.. أما هؤلاء القوم، فقد غابت عقولهم، فانطمست بصائرهم، وأصبحوا في عداد الحيوان، الذي يقاد من مقوده، حتى يستقيم إلى الطريق..

ومن هنا ضمّن اسم الفاعل «هاد» معنى «حاجز» أو «مبعد» - الأمر الذي يكون بمعالجة حية، وبقهر مادى.. وهذا ما ليس من رسالة الرسول. الذي تقوم دعوته على الحكمة، والموعظة الحسنة، كما يقول له الحق جل وعلا: «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (١٢٥: النحل) وفي قوله تعالى: «إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ» تحديد

<<  <  ج: ص:  >  >>