ففى هذا العرض يرى المشركون أنهم في وضع مقلوب، حيث لا يفهمون حديث الناس، حتى لكأنهم لا يعيشون بين الناس، وأنهم- وهم كما يزعمون أصحاب عقول- لا يعرفون الحق الذي تعرفه دواب الأرض التي تعيش معهم.. فهذه الدواب، تعرف ما لله سبحانه وتعالى من جلال وعظمة، وهي تدين لله سبحانه بالولاء، وتسبح بحمده، كما يقول جل شأنه:«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ.. وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ»(١٨: الحج) .
فهذه الدواب، سيفجؤهم أمرها، عند ما تطلع عليهم بهذا الحديث الذي تحدثهم به في العالم الآخر، والذي هو منطق كل موجود بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه الباطل.
فقوله تعالى:«وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ» إشارة إلى نزول الموت بهم..
فوقوع الشيء: مجيئه. من جهة عالية، حيث لا يملك أحد رده، كقوله تعالى:«إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ» ..
والمراد بالقول هنا، هو حكم الله، وأمره فيهم، كما يقول سبحانه:
وقوله تعالى:«تُكَلِّمُهُمْ» أي توحى إليهم، بما يفهمون منه هذه الحقيقة التي ضلوا عنها، وهم أحياء، والتي كانت مستقرة في كيان كل كائن، حاضرة في حياة كل موجود.. إلا هؤلاء الضالين المكذبين! وقد جاء في قراءة:«تُكَلِّمُهُمْ» .. وهو من الكلم، والجرح.. أي