وهذا يشير من بعيد إلى أنه إذا كان سليمان قد تلقى علما وحكمة، إلى ما آتاه الله من علم وحكمة، من هذين المخلوقين الضعيفين- فإن معنى هذا أن هناك علما كثيرا مستقى من موارد الحق الذي لا يشوبه شىء من الباطل، تعلمه دواب الأرض، ولا يعلمه كثير من الناس، وأنه من الممكن أن يتلقى الإنسان من هذه الدواب علما، بدلالة الإشارة أو العبارة، كما وقع ذلك لسليمان، وكما يقع ذلك للناس، يوم يكشف الغطاء، وترفع الحجب التي بين الناس وبين عالم الحق.. فينطق كل شىء، شاهدا بأن الله هو الحقّ! قوله تعالى:
يوزعون: أي يساقون، ومن ورائهم وازع يزعهم، ويدفع بهم دفعا إلى موقف المساءلة والحساب..
وينقل المشركون هنا في هذه الآية من حال الموت، وما يرون فيه من الحق الذي كانوا عنه معرضين، حين يتحدث إليهم الوجود كله، حتى دواب الأرض، تنطق بألوهية الإله الواحد القهار- ينقلون إلى المحشر، حيث يبعثون من قبورهم، ويساقون سوقا عنيفا إلى موقف الحساب والجزاء..
حتى إذا جاءوا، سألهم الحق جل وعلا:«أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ؟ .. إنهم يسألون ممن كانوا ينكرونه، أو يشركون به، ويكذبون بآياته، ويمكرون برسله.. وهذا السؤال من الله