إذا كنا نحن في هذا العصر نرى بعين العلم أن الجبال تمر مر السحاب، وأنها متحركة بحركة الأرض، وأن الذي ينظر إليها من الجو، يرى أنها تسير كما يسير السحاب فعلا.. فكيف كان مفهوم العرب الذين خوطبوا بهذه الآية، وهم لم يكونوا قد عرفوا أن الأرض متحركة تدور حول نفسها مرة كل يوم؟ ألم يكن في إعلان هذه الحقيقة ما يدخل اللبس على قلوب المؤمنين، فوق ما يحرك ألسنة المشركين بالبهت والتكذيب! والجواب- والله أعلم- أن النظم القرآنى، قد جاء على صورة تدفع هذا الاحتمال من جانبيه جميعا! فأولا: يقرر القرآن صراحة أن الجبال ثابتة في مرأى العين.. وهذا لا يجادل فيه أحد، وهذا هو السرّ في قوله تعالى:«تَحْسَبُها جامِدَةً» .. وكما يقول سبحانه:«وَالْجِبالَ أَرْساها»(٣٢: النازعات) ، وكما يقول جل شأنه:
«وَالْجِبالَ أَوْتاداً»(٧: النبأ) .
وثانيا: إن هذه الجبال الثابتة في مرأى العين، هى في حقيقتها متحركة، وهذه الحركة حقيقة لا تنكشف إلا بالعلم والبحث، لأنها قائمة وراء هذا الظاهر..
فمن كان في استطاعته أن يبحث ويدرس، فليفعل، وسيجد مصداق ذلك..
ومن لم يكن عنده هذا الاستعداد، فهو بين رجلين: مؤمن بالله، وبآياته، مصدق بكل ما نزل على الرسول من ربه.. وهذا لا يمارى في هذه الحقيقة، ولا يشك فيها، وإنما هو مؤمن بها، مسلّم بما تحدث به القرآن عنها، ناظرا إلى اليوم الذي يقع له من العلم ما يكشف له عن وجه هذه الحقيقة. ومشرك، أو كافر بالله، فهو مكذب بآيات الله كلها.. جليها وخفيها.. فلا يدخل عليه