هذا التدبير، الذي اصطنعت له هذه المعركة بين الإسرائيلى، وبين مصرى آخر، على نحو ما وقعت عليه حادثة الأمس.. وذلك ليرى ما يكون من موسى حين يرى هذا المشهد، أيخف لنجدة الإسرائيلى، ويعتدى على المصري؟
إنه إن فعل فإن ذلك قرينة قوية على أنه هو الذي فعل فعلة الأمس! وقد كان.. فما أن خرج موسى من مأواه الذي قضى فيه ليلته، حتى وجد الإسرائيلى مشتبكا مع مصرى، وحتى هتف به الإسرائيلى مستصرخا! ..
هذا، وعيون رجال فرعون ترقب من بعيد هذه التمثيلية، دون أن يدرى موسى ما يدير له.. فإنه لم يستطع أن يسكت على هذا العدوان الذي يسوم به الأقوياء الضعفاء سوء العذاب.. وأنه إذا كان الإسرائيلى رجل سوء، فإن ذلك لا يسوغ هذا الظلم الواقع تحته، حتى ليغادى ويصبّح بهذا الضرب المبرح! وإنه إذ يقول للإسرائيلى:«إنك لغوى مبين» يخف لنجدته وخلاصه من يد هذا المستبد به..!
وهنا يقع الصيد في الشبكة! فيلقى المصري موسى بهذه الجريمة التي كان يبحث لها عن متّهم.. فقال:«يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ.. إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ» .. ويفاجأ موسى بهذه التهمة، ويسقط في يده.. وهنا يخرج جنود فرعون.. وقد كشف الإسرائيلى عن شخصية «موسى» ربيب فرعون ومتبناه.. ويكثر الهرج والمرج.. وتصل الأخبار في سرعة خاطفة إلى بيت فرعون.. ويخفّ من بيت فرعون من يحضر هذا المشهد، فيعمل بأسلوب سياسى حكيم، يطفىء به هذه الفتنة، التي تمس فرعون، وتحرج موقفه في رعيته ... إن إسرائيليا يقتل مصريا، هو فوق أنه جريمة قتل، هو جرم غليظ، وسابقة تنذر بالخطر.. ولكن هذا الإسرائيلى هو محسوب على فرعون،