وليس كل أهل الكتاب- كما قلنا- هم على هذه الشاكلة، وإنما قلة قليلة منهم، هى التي عرفت الحق وآثرت اتّباعه، وكثرتهم الكثيرة، عرفت الحق، ولكنها آثرت الهوى، وفي هذا يقول الله تعالى:«مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ»(١١٠: آل عمران)«وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»«٢١٣: البقرة» .
قوله تعالى:
«أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ» الإشارة هنا إلى الذين يؤمنون من أهل الكتاب بكتاب الله.. فهؤلاء يؤتيهم الله أجرهم وثوابهم مضاعفا، لأنهم جمعوا بين الحسنيين، الدّين الذين كانوا يدينون به، ولم يخلطوه بزيف أو ضلال، والدين الجديد الذي استجابوا له، ولأنهم صبروا على المكاره التي تأتيهم من قومهم، من أهل الكتاب وقد خرجوا على إجماعهم، واتبعوا الطريق الذي هداهم الله إليه.. ولأنهم لا يلقون إساءة المسيئين إليهم من قومهم بالإساءة، بل يلقون الإساءة بالإحسان «وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» .. ولأنهم لا يكنزون الذهب والفضة، كما يفعل كثير من الأحبار والرهبان، بل ينفقون في وجوه الخير مما رزقهم الله..
قوله تعالى:
«وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ» هو بيان لأسلوب من أساليب درء السيئة بالحسنة.. فهؤلاء الذين آمنوا من أهل الكتاب، إذا لقيهم قومهم بالسفاهة، لم يقفوا معهم في هذا