واقتناع- فليس ذلك بالذي يمنع الابن من أن ينظر في هذه الدعوة الجديدة التي يدعى إليها من أبويه، وأن يتعرف على هذا الإله الذي يراد منه أن يعبده..
فليس الإسلام بالذي يحجر على العقل أن ينظر في كل دين، وأن يبحث في كل معتقد، وأن يتفرس وجوه الآلهة التي يعبدها العابدون.. فهذا النظر وذلك البحث والتفرس، سينتهى آخر الأمر إلى حقيقتين:
أولاهما: أنه سيسقط من الحساب كلّ ما يقع عليه النظر من آلهة غير الله سبحانه وتعالى.. وأنه كلما تفرس المرء في وجه من وجوه هذه الآلهة التي تعبد من دون الله، أنكره، وارتفع بإنسانيته عن أن يعفر وجهه فى معبد لحجر، أو صنم، أو حيوان.. أو إنسان.. وبهذا النظر يفيد الإنسان علما، وهو أن المعبود الحق، هو الله جل وعلا، وأن أي معبود آخر، لا يجد العقل من جهته علما يمسك منه بحجة أو برهان على ألوهيته- هو معبود باطل.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» .. وما يشير إليه قوله سبحانه في آية أخرى:«وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ»(١١٧: المؤمنون) وثانيتهما: أن هذا النظر المتفحص، الذي يطلب علما، ويرتاد حقيقة، من شأنه أن يثبت إيمان المؤمن بالله، ويكشف له من جلال الله وعظمته، وعلمه، وقدرته- ما يملأ قلبه يقينا بربه، وطمأنينة إلى الدين الذي يدين به، فيعبد الله مخلصا له الدين، غير متعرض لما يتعرض له غيره من اهتزاز في إيمانه، واضطراب فى عقيدته، كلما مرت به محنة، أو أصابته فتنة.. فيكون ممن قال الله فيهم:
«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ»(١١: الحج) ولهذا كان من تدبير الإسلام دعوة المؤمنين إلى النظر في ملكوت السموات والأرض، وإعمال العقل في كل