أن من قدرة الله أنه يبدأ الخلق ثم يعيده، فإن من قدرته كذلك أن يعذّب من يشاء ويرحم من يشاء.. لا معقّب لحكمه، ولا رادّ لقضائه في عباده..
وقدّم العذاب على الرحمة هنا، لأن الموقف في مواجهة المشركين الضّالّين الذين أنذروا، فلم تغنهم النذر، فكان من البلاغ والبلاغة في آن- عند دعوتهم إلى الله- أن يروا العذاب الذي أنذروا به، وأن يستشعروا أنهم أهله، فإذا كان لذلك العذاب وقع كريه في نفوسهم، فهذه أبواب الرحمة مفتحة لمن يطرقها إلى الله، والإيمان به.
وفي قوله تعالى:«وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ» - إشارة إلى أن مسيرة الإنسان بدأت من عند الله سبحانه وتعالى، وانطلقت من يد قدرته.. وأن مسيرة الناس في الحياة، لها نهاية تنتهى عندها، ثم تنقلب راجعة إلى الله من حيث بدأت.. فمن يد القدرة انطلقت، وإلى يد القدرة تعود.. كما يقول سبحانه:
«إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى»
(٨: العلق) والرجوع إنما يكون بالعودة إلى مكان البدء، والانطلاق..
هو توكيد لقدرة الله المطلقة، وأن هذه القدرة لا يعجزها الإنسان، فى أي منطلق ينطق إليه، سواء أكان منطلقه في الأرض أم في السماء.. فالله سبحانه، له ما في الأرض وله ما في السماء.. وإذا كان ذلك كذلك، فإنه لا ملجأ للإنسان من الله إلا إليه، وأنه إذا طلب معينا يعينه، فلن يجد العون إلا عند الله، ومن الله..