تتصل قصة «لوط،» بقصة «إبراهيم» - عليهما السلام- لأن لوطا كان من قوم إبراهيم، وقد اختلف في قرابته لإبراهيم، ودرجة هذه القرابة، وليس لهذه القرابة كبير وزن هنا، إذ كانت بين لوط وإبراهيم تلك القرابة الموثقة التي لا تنقصم أبدا، وهي النسب الذي جمعهما على الإيمان بالله، فكان لوط من الذين استجابوا لإبراهيم وآمنوا بالله.. فهذا الإيمان هو جامعة النسب بينهما.
وقوله تعالى:«فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ» أي استجاب له، ولهذا عدى الفعل بحرف الجر اللام.. فإن الإيمان بكذا، غير الإيمان لكذا. إذ أن الإيمان بالشيء، هو اعتقاده، وتيقنه كالإيمان بالله، والإيمان بالبعث، والجزاء، والجنة والنار..
أما الإيمان للشىء، فهو الإقبال عليه، والاستجابة له.. قال تعالى:«وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(١٨٦: البقرة) فالاستجابة إقبال على الله، والإيمان ثقة بالله، واستيقان من صفات الكمال المتصف بها سبحانه.
وفي قول لوط:«إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي» - إشارة إلى ما يقتضيه الإيمان بالله من ابتلاء بضروب من الشدائد والمحن..
والهجرة إلى الله، هى الاتجاه إليه سبحانه، والانخلاع عن كل ما يعوّق مسيرة المؤمن على طريق الإيمان، حيث يتخطى المؤمن المهاجر إلى الله كلّ ما يعترض طريقه، من أهل، ومال، ووطن، وحيث لا يلتفت إلى ما يصيبه في نفسه من ضر وأذى، ولو كان الموت راصدا له.
وفي هذا إشارة للمؤمنين، الذين كانوا تحت يد قريش، يسامون الخسف، ويتجرعون كئوس البلاء مترسة.. إنهم في هجرة إلى الله، وإن لم يهاجروا من بلدهم، ولم يخرجوا من ديارهم.. وإنهم لفى هجرة إلى الله، إن هم خرجوا من ديارهم، وهاجروا من بلدهم..