ومن جهة ثالثة، فإن الإشارة إلى مشركى العرب بأنهم آمنوا بالقرآن- لا محصل له في هذا المقام، ولا حجة منه على أهل الكتاب، وحسب القائل منهم أن يدفع هذا بقوله: بأن هؤلاء المشركين أمّيّون، فكيف يكون إيمانهم حجة عليهم.؟ فإن لم يقل قائلهم هذا القول، كان له أن يقول:
إن محمدا هو- إن صح أنه رسول- فهو رسول إلى قومه هؤلاء، وهو حجة عليهم لا علينا!! وهذا قول- وإن كان باطلا- فإن الجدل يتسع له، وخاصة في أول الدعوة الإسلامية، التي كانت دعوتها متجهة أول الأمر إلى العرب، كما يقول سبحانه وتعالى:«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ»(٢: الجمعة) .
ومن جهة رابعة، فإن قوله تعالى:«فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ» إذا فهم على ما قرره المفسرون من أنه مراد به أهل الكتاب المعاصرون للدعوة، فإنه يصادم الواقع، إذ أن أهل الكتاب لم يؤمنوا بالقرآن، لا في عصر النبوة، ولا بعده، وإن الذي آمن منهم به نفر قليل بالإضافة إلى الكثرة الكثيرة التي ظلّت على ما وجدها القرآن عليه ...
وليس يشفع لهذا القول، ويدفع عنه هذا التناقض، ما سيق له من تخريجات، كما قيل بأن المراد بقوله تعالى «يُؤْمِنُونَ بِهِ» هو أن من شأنهم أن يؤمنوا، لو أنهم أخلوا أنفسهم من الحسد، والغيرة، لما يلقاهم به القرآن من آيات بينات، تنكشف في أضوائها معالم الطريق إلى الحق، لكل ناظر فيها، ملتمس الهدى منها ... وكما قيل أيضا، من أن المراد بالذين يؤمنون به من أهل الكتاب، هم الذين آمنوا فعلا، وهؤلاء وإن كانوا