للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونون التوكيد ... وليس وعده سبحانه في حاجة إلى توكيد، فهو محقق لا شك فيه ... ولكن لتطمئن قلوب المؤمنين، ولتثبت أقدامهم على الطريق الشاق الذين يأخذونه إلى الهجرة، وما يعترضهم عليه من دواعى الإشفاق من فراق الأهل والولد.

قوله تعالى:

«وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» .

هو تطمين لقلوب المسلمين المدعوين إلى الهجرة، والذين استجابوا لها، وأعدّوا العدة لإمضائها، أو للذين هم قد هاجروا فعلا، وانقطعت موارد رزقهم التي كانت في أيديهم، بين أهلهم وفي ديارهم ... وإنه لن يأسى المسلمون على ما تركوا وراءهم من مال ومتاع، ولن يهتمّوا كثيرا لأمر المعاش، ولن يشغلوا به ... فالله سبحانه الذي يرزق الدواب في القفار، والطيور في السماء، هو الذي يتكفل بأرزاق الناس، وأن سعيهم في وجوه الأرض، وما يبذلون من حول وحيلة، إنما هو أسباب موصلة إلى ما قدّر الله لهم من رزق ... ولن ينال أحد مهما جدّ وسعى غير ما هو مقدور له.

وقوله تعالى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا» إشارة إلى أن كثيرا من الدواب لا تستطيع أن تحمل رزقها، أي تحصّله بنفسها، وتصل إليه بسعيها.. وأقرب مثل لهذا مواليد الحيوان، حيث سخّر الله لها الأمهات والآباء لتعمل على إطعامها، بل وتزقّه في فمها، وتلقيه في جوفها.. وإذا بدا لنا أن بعض الدواب كالأسود والذئاب ونحوها قادرة على انتزاع غذائها من الحياة، فإن ذلك لا يعدو في حقيقته أن يكون رضاعة من ثدي الطبيعة التي خلقها الله على هذا النظام البديع المعجز، الذي يجد فيه كل كائن رزقه

<<  <  ج: ص:  >  >>