لأمر غير متوقع! وقد أجاب الله زكريا بما لا يخفى عليه، ولا يعتقد فى الله غيره «قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ» .. ويجوز أن يوقف على قوله تعالى «كذلك» فيكون اسم الإشارة والمحذوف الذي يكمله هو مقول القول، والتقدير: كذلك قضى ربك، أو نحو هذا، ويكون قوله تعالى «اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ» جملة تفسيرية لمقول القول.. وهذا هو الوجه الأظهر للآية الكريمة.
ويجوز أن يكون الوقف عند لفظ الجلالة:«قالَ كَذلِكَ اللَّهُ» ويكون المعنى كذلك هو الله سبحانه فى قدرته وحكمته، ثم يجىء بعدها قوله تعالى:
«يَفْعَلُ ما يَشاءُ» جملة مستأنفة، شارحة موضحة.
وقوله تعالى:«قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً» ليس عن شكّ فى تصديق زكريا بما أخبره به ربّه، وإنما هو استعجال لهذا الخير المنتظر، وائتناس بالبشريات التي تحدّث به، وتنتصب شاهدة عليه..
فالآية التي تعرض لزكريا فى هذا الوقت الذي لا زال فيه الولد فى عالم الغيب، لم تظهر له فى عالم الوجود إشارة أو علامة تنبىء عنه- الآية التي يراها زكريا فى هذا الوقت، هى فى الواقع شىء مجسّد يجده زكريا، ويجد ريح الولد فيه! وفى هذا ما فيه من تمام الفرحة وكمال المسرة! وكما استجاب الله لزكريا فيما طلب من ولد، استجاب له كذلك فيما طلب من آية على هذا الولد..
«قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً» هذه هى الآية التي تملأ قلب زكريا طمأنينة وأنسا بالولد المنتظر.. ألّا يكلّم النّاس ثلاثة أيام، بمعنى أن يجد لسانه عاجزا عن الكلام،