كثرة، إشارة إلى أن القليل من كلام الله، وهو الكلمات، لا ينفذ، ولو فنيت فى كتابتها الأقلام من كل شجر الأرض، وجفّت في مدّ هذه الأقلام بالمداد كلّ بحار العالم..! فكيف بالكثير من كلام الله.
هذا، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:«قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً»(١٠٩: الكهف) .
وفي هذه الصورة، لم تذكر الأقلام التي تستملى من هذا البحر، اكتفاء بما جاء هنا من ذكر الأقلام.. فالصورتان تكمل إحداهما الأخرى، وليست إحداهما تكرارا للأخرى، كما يبدو ذلك في ظاهر الأمر.
ويلاحظ أن البحر هنا يمدّه من بعده سبعة أبحر، على حين أنه في سورة الكهف يمدّه بحر مثله.. وقد يبدو أن في هذا تناقضا عند من يأخذ بظاهر الأمور، ولا يتعمق النظر فيها..
إن الأمر قائم على الفرض، وكثير من مادة الفرض وقليلها سواء فى تحقيق المطلوب منه، وهو الدلالة على سعة علم الله، وبسطة سلطانه، وامتداد ملكه، الذي لا ينفد، وأن بحرا واحدا، أو جزءا من هذا البحر ليكفى عند التجربة في الكشف عن سعة هذا العلم، وبسطة ذلك السلطان، وامتداد هذا الملك..
فالبحر الذي يمده من بعده سبعة أبحر، يواجهه الحكم بقوله تعالى:
«ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ» مع السكوت عن نفاد ماء البحر.
والبحر الذي يمده بحر مثله، يواجهه الحكم بقوله سبحانه:«لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً» .