مثل هذا المثل.. فكيف يفتح الله لعباده بابا إلى الضلال، ويسوقهم إليه.
ثم يحاسبهم عن هذا الضلال، ويأخذهم بالعذاب الأليم؟.
والجواب على هذا، قد كثر حوله الخلاف، وتعددت فيه المذاهب..
هل الإنسان حرّ مختار فيما يأتى من خير وشر، فيكون حسابه جزاءا وفاقا لما عمل بحريته واختياره، أم هو مجبر مضطر، مسوق إلى قدره المقدور، فيكون عمله غير محسوب عليه، ويكون حسابه على ما عمل، ظلم له، وعدوان عليه؟ أم أن الإنسان مزيج من الجبر والاختيار، له إرادة، وله قدرة على فعل ما يريد، ولكنّ إرادته وقدرته مرتبطتان بإرادة فوق إرادته وبقدرة فوق قدرته؟ فهو يريد، ولكن وفق ما تريد تلك الإرادة العليا، ويفعل، ولكن داخل فعل تلك القدرة المهيمنة على قدرته.. فالإنسان فى هذا التصور أشبه بترس فى آلة (مكانيكية) .. يتحرك بحركة تلك الآلة، ويسكن بسكونها.
فهو متحرك، وغير متحرك معا!.
والرأى- عندنا- أن الإنسان صنعة الله، ولله سبحانه أن يضعه حيث يشاء، ليأخذ مكانه واتجاهه فى هذا الوجود. ومع هذا فإن الإنسان- بما أودع الله فيه من عقل- مطالب بأن يستعمل هذا العقل وما فيه من قوى، فى وزن الأمور وتقديرها.. فيتقدم أو يتأخر، ويقدم أو يحجم ويؤمن أو يكفر، ويهتدى أو يضل.. وهو فى كل هذا سائر فى الطريق المرسوم له، والذي هو مستور فى الغيب عنه، إلى أن يستوى عليه، وذلك هو قدره المقدور، يرى وكأنه من صنعة يده، وهو فى الحقيقة صنعة يد فوق يده.. يد القدرة القادرة الباهرة:«بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً»(٣١: الرعد)