وهذه نظرة أخرى، بعد هذه النظرات التي دارت في هذا الوجود، ورأت ما رأت من آيات الله، وكشفت ما كشفت من جلاله، وعظمته، وقدرته. وهذه النظرة تتجه إلى تلك الفلك التي تجرى في البحر.. إن جريانها آية من آيات الله، لا يراها إلا كل «صبار» على ما يلقى من شدائد، فلا ييأس من روح الله، ولا يجحد حكمته فيه، وإحسانه إليه، وابتلاءه بالخير والشر.. فيصبر على البلاء، ويشكر على العافية..
- وفي قوله تعالى:«بِنِعْمَتِ اللَّهِ» - إشارة إلى أن الفلك تجرى مدفوعة بنعمة الله، ومسيّرة بقدرته.. فالباء هنا للاستعانة، كما تقول: استدفأت بالنار، وتطهرت بالماء..
وعلى هذا يكون الجار والمجرور متعلقا بقوله تعالى:«تَجْرِي» وتكون نعمة الله، هى الريح، التي تدفع الفلك.. ويجوز أن يكون الجار والمجرور حالا متعلقا بمحذوف، وتقديره، تجرى محملة بنعمة الله، أي بما تحمل من تجارات، تنقلها من مكان إلى مكان..
- وفي قوله تعالى:«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ» - إشارة إلى أن آيات لله، لا يراها، ولا ينتفع بها إلا أهل الإيمان الوثيق بالله، الذين إذا أصابهم الضرّ صبروا، وإن أصابهم الخير شكروا..
وصبار: صبغة مبالغة: أي كثير الصبر، وذلك في جميع الأحوال، التي يبتلى فيها الإنسان بما يكره..
والشكور: للمبالغة أيضا.. أي كثير الشكر، الذي يستقبل كل نعمة من نعم الله بما تستأهل من حمد وشكران..