فيه الحياة الطيبة الهنيئة:«بِما كانُوا يَعْمَلُونَ» من أعمال طيبة، فى هدى من الإيمان بالله، وعلى نور من شريعة الله..
وأما الذين «فسقوا» أي خرجوا عن طريق الإيمان، وركبوا طرق الضلال، «فَمَأْواهُمُ النَّارُ» .. تلك هى دارهم، وهذا هو نزلهم..
«كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها» فرارا من وطأة العذاب «أُعِيدُوا فِيها» وردّوا إليها، وحيل بينهم وبين ما يشتهون.. «وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ» .. فهم لا يردون إلى النار وحسب، بل يلقاهم مع هذا الرد من يسمعهم ما يسوءهم، ويملأ قلوبهم حسرة وكمدا، فيقول لهم:
«ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ» .. إنما يذوقون عذاب النار فعلا، ولكن الحديث إليهم بما يسوءهم، وقرع أسماعهم بهذا المكروه- هو مضاعفة للبلاء، ومزاوجة بين المكروه والمكروه، كما أن للحديث عن المحبوب لذة في السمع، ووقعا في القلب، إلى ما له من لذة في مرأى العين، ومذاق اللسان.. وقد كشف أبو نواس عن هذا، فيما يجد من لذة وانتشاء، عند سماع كلمة الخمر وهو يشربها، إلى ما يجد لها من مذاقها على لسانه، ومن دبيبها فى مفاصله، حتى يمتع حواسه كلها.. فيقول:
ألا فاسقنى خمرا وقل لى هى الخمر ... ولا تسقنى سرّا متى أمكن الجهر!
وأبو نواس، وإن كان هنا على إثم، فإنه يلذ طعم اسم هذا الإثم ويستمرئه..
ولو كان في هذا الموقف غيره، ممن يتأثمون هذا الإثم، ثم يكرهون إكراها على تعاطيه، فإن ذكر الخمر باسمها عند صبّها في أفواههم، هو عندهم بلاء إلى بلاء، وعذاب فوق عذاب!