النبي الكريم، وحيا من ربه، ثم الآية التي تليها، وهكذا آية آية، وآيات آيات، حتى آخر آية نزلت على النبي..
وهذا أمر يبدو في ظاهره أنه دراسة من الدراسات التي تخدم القرآن، مثل تلك الدراسات التي قامت حول الكتاب الكريم، كأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، والنهارى والليلى، وما نزل ببيت المقدس، وما نزل بالطائف، وما نزل بالسفر، وما نزل بالحضر، إلى غير ذلك من تلك الدراسات الكثيرة، التي تدور في فلك القرآن، ولا تمس الصميم منه..
ومن هنا كان خطر هذه الدعوة، التي قد ينخدع لها كثير من المسلمين، والتي ربما اندفع في تيارها، بعض العلماء، عن نية حسنة، ومقصد سليم، إذ كان الأمر في ظاهره دراسة في كتاب الله، وفتحا جديدا، يعد كشفا من كشوف العلم الحديث في دراسة القرآن..
ويبدو الخطر الذي يتهدد القرآن من الفتنة، ماثلا من وجوه:
فأولا: استحالة ضبط صورة القرآن على حسب الترتيب النزولى لآياته..
حيث لم يعرف الترتيب النزولى إلا لعدد محدود من آيات القرآن، لا تمثل إلا أقل القليل منه.. قد لا تتجاوز بضع آيات، أو عشرات من الآيات على أكثر تقدير.. وحتى هذا القليل الذي يقال إنه معروف الترتيب، لم يقع الإجماع بين العلماء عليه، وحتى أنهم لم يتفقوا على أول ما نزل به الوحى، كما لم يتفقوا على آخر ما نزل به.. فبينما يقول أكثرهم إن أول ما تلقى النبي من وحي، هو قوله تعالى:«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» - بينما يقول أكثرهم هذا، يقول بعضهم- كما في صحيح مسلم- إن أول ما نزل من القرآن «المدثر»