سواء، لا اختلاف بينهما، وأن صلة التفاهم لا تنقطع بينه وبين الناس فى مراحل حياته، وأنه إذا كلّمهم فى مولده بلغة سليمة مفهومة، فإنه سيكلمهم بهذه اللغة أيضا فى أدوار حياته.. وبهذا تعلم مريم من أول الأمر أن وليدها الذي سيتكلم فى المهد، لا يخرج به ذلك عن طبيعة البشر، ولا يجعل منه مولودا شاذا، تشقى به أمه، وتعانى من شذوذه هذا، ما تعانى الأمهات من مواليدهن الذين يجيئون على غير مألوف الحياة.
وقد يكون لمعترض أن يلقانا بهذا السؤال: لم نصّ القرآن على دور الكهولة وحده، دون أدوار الحياة الأخرى.. من صبا وشباب وشيخوخة؟.
والجواب على هذا، هو: أن دور الكهولة هو الدور الذي يبلغ فيه الإنسان تمام نضجه الجسدى والعقلي.. فإذا كان كلام المسيح فى المهد وفى الكهولة على حال واحدة، كان ذلك هو المعيار الذي تنضبط عليه لغته، وطريقة حديثه إلى الناس، فى جميع أدوار حياته.
وندع هذا، لنصل ما انقطع من حديثنا عن كلام المسيح فى المهد- فنقول:
إن مريم- عليها السلام- إذ تلقت هذه البشرى من رسول ربها، قد لفتها منها أمران: أن يكون لها ولد من غير أن يمسسها بشر.. ثم أن يكون هذا المولود على صفات خاصة.. أهمها أنه يتكلم فى المهد، كلاما سليما واضحا، كما يتكلم الراشدون من الناس.
ولعلّ مريم لم تلتفت كثيرا إلى ما لهذا الوليد من صفات، إذ كان شغلها الشاغل إذاك، هو أن تلد مولودا من غير زوج يتصل بها.
ولهذا كان عجبها ودهشها، فى هذا الاستفهام الإنكارى الذي ذكره القرآن على لسانها:«أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ» ؟ .. فهذه هى مشكلتها، وهذا هو موضع عجبها، ودهشها فى تلك الحال..