سبحانه وتعالى من علم لا يعلمه أحد، وإلى أن الناس لا يعلمون من علم الله شيئا، حتى هذه الأمور المتصلة بهم، كتلك الجنود الخفية التي أحدثت هذه الآثار، على حين أن الله سبحانه يعلم من أمر الناس ما يسرّون وما يعلنون، علم مشاهدة.. «وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً» .. فهو على كاشف لكل شىء، كالعلم الذي يقع عن نظر وشهود بالنسبة لنا، على خلاف العلم المطلق، فقد يقع عن حدس وظن.. وهذا هو بعض السر في جعل فاصلة الآية:«بصيرا» بدل «عليما» ..! فعلم الله سبحانه، علم شهادة:«لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ» .
هنا تبدأ الآيات في تفصيل ما أجملته الآية السابقة من أحداث هذه القصة..
فهؤلاء الجنود الذين جاءوا إلى المسلمين، قد جاءوهم من فوقهم، أي من نجد، ومن أسفل منهم، أي من تهامة.. وهذا يعنى أنهم قد أطبقوا على المسلمين من كل جهة، فتمكنوا منهم، وسدّوا منافذ النجاة عليهم..
وفي قوله تعالى:«وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ» تصوير للحال التي استولت على المسلمين من هذا الخطر الزاحف عليهم..
وزيغان الأبصار، كناية عن الكرب الذي دخل على المسلمين، حتى اضطرب لذلك تفكيرهم، وغابت وجوه الرأى عنهم، فلم يتبينوا ماذا يأخذون أو يدعون من أمرهم..
وبلوغ القلوب الحناجر، كناية أخرى عن هذا الكرب، وأنه أزال القلوب عن مواضعها، بما أحدث فيها هذا الكرب من اضطراب وخفقان.