أبى سفيان- ينزل عليها أبوها قبل أن يدخل في الإسلام، وقد جاء إلى المدينة، ممثلا لقريش، ليلقى النبىّ في شئون بين المسلمين، وبين مشركى قريش..
نقول: نزل أبو سفيان عند ابنته أم حبيبة- رضى الله عنها- فلما أراد أن يجلس على حشية كانت هناك، ردّته أم حبيبة بغير شعور، وبلا رفق.. وعجب أبوها لهذا أشدّ العجب، واستحال كيانه كلّه علامة إنكار تطلب تفسيرا لهذا الأمر الغريب.. وتلقاه أمّ حبيبة بما يكاد يذهب بعقله:«أنت مشرك..
نجس. فلا تمس فراش رسول الله!!» ولم يصدّق أبو سفيان ما سمعت أذنه، كما لم يصدق ما رأت عينه، وخيّل إليه أنه في حلم مزعج.. ولكن الواقع كان أقوى من أن تعيش في ظله الأحلام طويلا، فصحا الرجل صحوة مذعورة، وانطلق مسرعا ليهرب من هذا الموقف الذي كاد يختنق فيه.
وأم حبيبة هذه على شظف العيش الذي كانت تنعم في ظله بهناءة الروح، وروح النفس- لم تر أن تنعم وحدها بهذه النعمة العظيمة التي تجدها في رحاب رسول الله، وألا يكون لأحتها «رملة» بنت أبى سفيان حظ من هذا الخير الوفير، فتعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يتزوج أختها، فتقول:
يا رسول الله.. هل لك في أختى بنت أبى سفيان؟ فيقول الرسول الكريم:
«أفعل ماذا؟» فتقول: تتزوجها! فيقول- صلوات الله وسلامه عليه:
«أو تحبين؟» فتقول: «لست بمخلية «١» وأحبّ من يشاركنى في الخير أختى!» فيجيبها الرسول الكريم: «فإنها لا تحلّ لى» والمثل في أم المؤمنين «حبيبة» بنت أبى سفيان يغنينا عن كثير من الأمثلة التي نجدها في سيرة أزواج النبي- رضى الله عنهن- وما بلغ بهن زهدهن في متاع الحياة الدنيا، وترفعهن عن زخارفها وزينتها، من مكانة لم تكن إلا للمصطفيات
(١) أي أنها لا تخلى مكانها ليتزوج النبي بأختها، حيث يحرم الجمع بين الأختين.