فقد كان الجاهليون يتخيّرون من يرون من أبناء غيرهم، ثم ينسبونهم إليهم نسبة الولد إلى أبيه، وقد كان هؤلاء المنتسبون إليهم بالتبني، فى حكم أبنائهم من أصلابهم، يضافون إليهم إضافة أبوة، ويرثونهم إرث الابن لأبيه..
ويحرّمون التزوج من نساء هؤلاء الأبناء تحريما مطلقا.. وقد أبطل الإسلام هذا التبنّي بقوله تعالى في أول هذه السورة:«ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ.. ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ» ..
ومن حكمة الله، أن كان للنبىّ صلى الله عليه وسلم ابن بالتبنّي، هو زيد ابن حارثة.. وذلك ليكون في إبطال هذا التبنّي مثل يراه المؤمنون في النبىّ، حين يبطل نسبة زيد إليه، فلا يكون لمؤمن بعد هذا متعلّق بنسبة من كان منتسبا إليه من أبناء من غير صلبه.. وبهذا ينحسم الأمر في غير مهل أو تردد، إذ كان النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- هو أول من نفذ هذا القانون السّماوىّ، وأول من ألغى التبنّي الذي كان قائما بينه وبين أحبّ الناس إليه، زيد بن حارثة.. الذي كان يدعى زيد بن محمد، ويدعوه المسلمون زيد حبّ رسول الله.. ولو كان في هذا الأمر استثناء لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس به، إذ لم يكن له ولد ذكر، ولكان هذا الاستثناء من خصوصيات النبي فيما كانت له- صلوات الله وسلامه عليه من خصوصيات. وهذا يعنى أن هذا الأمر حكم واجب على كل مسلم، وأنه أمر لا يرد عليه استثناء أبدا.
بقيت مسألة تحريم الزواج من نساء الأبناء بالتبنّي.. التي كان يلزم بها الجاهليون أنفسهم، تمكينا لهذا النسب بينهم وبين أدعيائهم، وجعله على قدم المساواة في كل شىء، مع أبناء الأصلاب.