أما فى قصة زكريا فهى على خلاف هذا.. مولود من رجل وامرأة، وإن كان كلّ من الرجل والمرأة غير أهل لأن يولد له فناسبه أن يعبر عنه بالفعل «اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ» والخلق والفعل وإن كانا من باب واحد، فإن هناك فرقا دقيقا بينهما، وهذا الفرق الدقيق له وزنه وله اعتباره فى بناء الأسلوب البلاغي الرفيع، الذي لا يوجد على كماله وتمامه إلا فى القرآن الكريم.
فى قوله تعالى:«وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ» ما يسأل عنه وهو: الكتاب والحكمة.. ما هما؟ لقد منّ الله على عيسى بأن علمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل.. والتوراة والإنجيل معروف أمرهما، إذ كانت التوراة كتاب موسى وشريعته، وبالكتاب وبالشريعة دان عيسى، ثم كان له كتابه وهو الإنجيل.. يبشر به وبكتاب موسى وشريعته.. فما الكتاب والحكمة اللذان تعلمها من الله قبل أن يتعلم التوراة والإنجيل؟
فى القرآن الكريم جاء ذكر الكتاب مقترنا بالحكمة فى كثير من المواضع، مثل قوله تعالى:«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ»(١٦٤: آل عمران) وقوله سبحانه: «رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ»(١٢٩: البقرة) وقوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ»(٨١: آل عمران) وقوله سبحانه: «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً»(٥٤: النساء) وقوله تعالى: «وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ»