للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهدهد بخبرها.. فلو كان ملك سليمان مما يتسع لجريان الريح شهرا فيه، لكان ذلك ملكا يسع معظم العالم كله، ولكانت سبأ داخلة فى سلطان هذا الملك، من باب أولى..

وقوله تعالى: «وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ» أي النحاس.. والنحاس أشد من الحديد إباء على النار.. فهو يحتاج فى صهره إلى قوة حرارية أكثر مما يحتاج إليه الحديد..

وإذا كان داود قد عرف كيف يليّن الحديد، فإن سنة التطور تقضى بأن يتعرف ابنه سليمان على القوة الحرارية التي يتمكن بها من إلانة النحاس وصهره..!

والتعبير عن الحديد بالإلانة فى قوله تعالى: «وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ» ، وعن النحاس بالسيولة- فى قوله تعالى: «وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ» - إشارة إلى اختلاف طبيعتى كلّ من الحديد والنحاس، وأن الحد يمكن تشكيله بالطرق إذا سخن ولان.. أما النحاس، فلا ينتفع به حتى ينصهر، ويتحول إلى مادة أقرب ما تكون إلى السوائل.. وهذا ما نجده فى قوله تعالى على لسان ذى القرنين. «آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً» .. فالحديد هنا قد عرض على النار حتى احمر وصار أشبه بالجمر.. ثم جاء بالقطر- وهو النحاس الذائب- فأفرغه على هذا الحديد، وصبّه فوقه، كما يصب الماء على النار!! وعين القطر، هو الخالص منه.. فهو نحاس خالص، لم يختلط بشىء، مما يسمى «الشّبه» أي شبه النحاس..

وقوله تعالى: «وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ» أي وسخرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ويستجيب لأمره من غير مراجعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>