فى هذه الأيام، حيث كان الانتقال من مكان إلى مكان، محفوفا بالمخاطر والأهوال، منذرا بالوبال والهلاك.. ولهذا امتن الله على قريش بأن آمنهم فى أسفارهم فى رحلتى الشتاء والصيف، فقال تعالى:«لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» فماذا كان من القوم إزاء هذه النعمة أيضا؟
لقد كفروا بها، وتنكروا لها، كما كفروا وتنكروا للخصب والرخاء، والخبر الكثير الذي أخرجته أرضهم.. فقال تعالى على لسانهم:
لقد بطر القوم معيشتهم، فتنكبوا عن هذا الطريق الآمن المطمئن، والتمسوا طرقا أخرى إلى جهات بعيدة غير تلك الجهة التي ألفوها، وتبادلوا المنافع مع أهلها.. واستبدّ بهم الغرور، وأغراهم الطمع، فركبوا الأهوال ولمخاطر، لا لحاجة إلّا أن يرضوا هذا الغرور الذي ركبهم، إلا ليغذّوا مشاعر الاستعلاء التي استولت عليهم- فكان أن بدد الله شملهم، وبعثرهم فى الأرض، ومزقهم كل ممزق.. فأصبحوا أحاديث على ألسنة الناس، لما وقع بهم من بلاه، وما حل بديارهم من خراب..
وليس الذي ذهبنا إليه فى تأويل قوله تعالى:«فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا» من أنهم ركبوا الأهوال والمخاطر- ليس هذا بالذي يحظر على الناس أن تنزع بهم هممهم إلى أبعد مما هم فيه، وإلى أن يتقلبوا فى كل وجه من وجوه الحياة..
فهذا شىء، والذي كان من القوم شىء آخر.. إنهم خرجوا عماهم فيه بطرا