المراد بالذين كفروا هنا، هم المشركون من قريش، الذين تحدثت إليهم الآيات السابقة، هذا الحديث الذي انكشف لهم به وجه آلهتهم وبان لهم عجزها، وأنها لا تملك لهم ضرا ولا نفعا..
وقد انتهى هذا الحديث بتقرير تلك الحقيقة، وهى أن النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- ليس رسولا إليهم وحدهم، وإنما هو رسول إلى الناس جميعا، وأولى الناس بهذا النبىّ، وبالاستجابة له، هم قومه، الذين هم أعرف الناس به، وبآيات الله التي حملها إليهم بلسانهم.. ولكن الجهل والعناد أعماهم عن هذه الحقيقة، فلم يستجيبوا لرسول الله، ولم يفتحوا عقولهم وقلوبهم لكلمات الله وآياته، وقالوا فى إصرار وعناد:«لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» أي لا نصدق بأن هذا القرآن الذي يقرؤه محمد علينا، هو كلام الله، وإذن فنحن لا نؤمن به، ولا نؤمن بما يحمل بين يديه من أحاديث عن البعث، والحساب والجزاء.. إنهم يكذبون به شكلا وموضوعا- كما يقولون- فهو ليس من عند الله أولا، ثم إن ما يحمل من أحاديث وأخبار، لا تصدّق ثانيا، لأنها لا تعقل! فالضمير فى قوله تعالى:«بَيْنَ يَدَيْهِ» ، يعود على القرآن، وما بين يدى القرآن، هو ما يحمل بين يديه من قصص الأنبياء، وأخبار الأمم الماضية، وما حل بالكافرين والمكذبين، من عذاب وبلاء..
وهذا الذي ذهبنا إليه، من القول بأن ما بين يدى القرآن، هو أخباره وقصصه، وجدله، وحججه- هذا الذي ذهبنا إليه، هو أولى من القول الذي يذهب إليه أكثر المفسرين من أن الذي بين يدى القرآن هو التوراة والإنجيل، بمعنى أن المشركين لا يؤمنون بهذا القرآن، ولا بالتوراة والإنجيل..