المراجعة، وتقليب الرأى بينه وبين صاحبه هذا- مفهوم لذات الله، وحتى يجتمع له تصور لعظمته وجلاله وقدرته، ثم تكون المرحلة الثالثة والأخيرة، وهى الرجوع إلى نفسه، وعرض هذا المفهوم وذلك التصور على عقله، حتى يهتدى إلى الرأى الذي يطمئن إليه، والتصور الذي يستريج له..
هذه هى مراحل التفكير، فى أي أمر ذى شأن بعرض للإنسان..
ففى المرحلة الأولى تظهر الفكرة فى صورة خاطرة أو وساوسة، يلوح فى سماء العقل، ويضطرب فى مخيلته..
ومثل هذا الخاطر أو الوسواس، يعيش قلقا مضطربا، لا يجد له مستقرا فى العقل، حتى يجد الأرض الصلبة التي يقف عليها.. وهنا تجىء المرحلة الثانية..
وفى المرحلة الثانية هذه، يبحث العقل عن عقل آخر يأنس به، ويقابل ما عنده من خواطر ووساوس بخواطره ووساوسه..
وفى هذا اللقاء بين العقلين، يكثر الأخذ والرد، والقبول والرفض، ثم ينجلى هذا المخض عن زبدة، هى الشرارة التي تنقدح من اللقاء بين العقلين، والتي تضىء بها جوانب النفس، وينكشف على ضوئها وجه الرأى فى الأمر المتداول بينهما.. وينتهى هذا الحوار، أو هذا اللقاء بين العقول، وقد ذهب كل واحد منها بما حصل عليه، من شك أو يقين.. وعندئذ يجد العقل أن ما حصل عليه ليس خالصا له، وإنما هو- على صورتى الشك واليقين- قسمة بينه وبين العقل الذي جرى معه هذا الشوط للوصول إلى تلك الغاية..
وهنا تجىء المرحلة الثالثة، التي يسوى فيها العقل حساب الأمر الذي بين يديه، على الوجه الذي يراه هو، مستقلا عن أي عون خارجى..