فيلعلموا أن هناك وجها، آخر لا بد أن يقابل هذا الشرك، دون التفات إلى أيهما الفاضل وأيهما المفضول.. إن الأمور لا تكون إلا على هذا الازدواج..
الشيء وضده.. وليس الشرك الذي بين أيديهم بدعا من الأشياء..
فليبحثوا عن الوجه الآخر المقابل له.. فإذا فعلوا، كانت المرحلة الثانية من مراحل النظر، وهى أن يوازنوا بين ما معهم من شرك، وبين الوجه الآخر المقابل له، وهو الإيمان..
وقد جاء الأمران الأولان على الأصل، فقدّم فيهما المفضول على الفاضل، على حين جاء الأمران الآخران على غير الأصل، فقدم فيهما الفاضل على المفضول.. وبهذا أخذ كل من الفاضل والمفضول مكانه فى الصورة على قدم المساواة.. لأن الأمر- كما قلنا- لم يكن يراد منه المفاضلة، وإنما المراد هو إثبات تلك الحقيقة التي لا خلاف عليها، وهى الازدواج فى الأشياء، والتقابل بين الشيء وضده..
وفى مجىء المقطع الأول من الصورة، على أصل الوضع فى اللغة، الذي يتفق مع مجرى التفكير، وذلك بتقديم المفضول على الفاضل، فى مقام الموازنة والمفاضلة بينهما- فى هذا التقاء مع المشركين على أمر لا خلاف عليه، بين مؤمن وغير مؤمن.. وهذا من شأنه ألّا يصدم تفكيرهم، ولا يخرج بهم عن مألوفهم، الأمر الذي يدعوهم إلى الاستماع إلى هذا الذي يعرض عليهم، وإلى النظر فيه..
فإذا وقع مقطع هذا الحديث من أنفسهم هذا الموقع، واجههم المقطع الآخر من الصورة، وهو مقطع قد انقلب فيه الوضع، وانعكست فيه مواقع الأمور، فقدّم ما حقه التأخير، وأخّر ما حقه التقديم، وفى هذا إشارة إلى أمرين: