للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واقعا فى الحال، لكانت صياغة الآية على غير هذا، ولكانت تلك الصياغة مثلا: «ثم قال له كن فكان» .. فكيف يكون هذا؟ وهل أمام قدرة القادر العظيم حواجز وحوائل، تحول بين القدرة وبين إمضاء ما قدرت، على الفور، وفى الحال؟

والجواب على هذا.. هو أنّ قول الله للشىء «كن» لا يقتضى وقوع هذا الشيء فى الحال، إذ قد يكون الأمر موقوتا بوقت، أو متعلقا بأسباب، لا بد أن يقترن حدوثه بها، وهذه الأسباب لا متعلّق لها بقدرة الله، وإنما متعلّقها بالشيء ذاته، الذي دعته القدرة إلى الظهور، والذي قضت حكمة الله ألا يظهر إلا بعد أن يستكمل أسبابه المقترنة به.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (٨٢: يس) .

فمثلا مما سبق علم الله به، واقتضته إرادته إيجاد، شىء ما، وليكن هذا الإنسان أو ذاك..

إن أمر الله قد صدر من قديم لهذا الإنسان أن يكون، على صورة كذا، وهيئة كذا، وأن تحمل به أمه فى يوم كذا، وأن يولد فى يوم كذا..

وهكذا..

بل وأكثر من هذا.. فإنه قبل ذلك بآلاف السنين، بل وآلاف الآلاف منها.. تنقّل هذا الإنسان فى أصلاب الآباء وترائب الأمهات إلى أن التقى أبوه بأمه، فى الزمن المحدد واليوم الموعود! .. وهكذا الشأن فى كل موجود.. إنه تنقل فى موجودات سبقته، وتقلّب فى أحوال وأطوار حتى صار إلى ما صار إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>