وسقم إبراهيم هنا، هو سقم نفسى، لما اعتراه من حيرة خلال تلك التجربة التي عاناها مع هذه الكواكب، التي ظل يرصدها ليلة بعد ليلة، ويرعى مسيرتها، ويتأمل وجهها مشرقة وغاربة.. فإذا أشرق واحد منها لقيه حفيّا به، راجيا أن يكون الوجه الذي يرى فيه ربه الذي يعبده، ثم إذا رآه يغرب خاب ظنه فيه، فنفض يديه منه، كما ينفض المرء يديه من ميت دفنه فى التراب.. وهكذا ظل إبراهيم يستقبل وجوه الكواكب، كوكبا كوكبا، ويدفنها واحدا واحدا، وهكذا أيقن- بفطرته، وتجربته- أن إلهه ليس من عالم المنظور فى الأرض أو فى السماء.. إنه- سبحانه- القوة القائمة على هذا الوجود، والسلطان المتصرف فيه، والإله الذي لا يتحول ولا يتبدل، ولا يقع فى حدود النظر.
وهذه النظرة التي نظر بها إبراهيم إلى النجوم هنا، غير تلك النظرة التي جاء ذكرها فى الآيات السابقة، والتي كانت نظرة متسائلة متطلعة، سأل فيها النجم والقمر والشمس، وإنما كانت نظرته هنا نظرة مذكرة له بما كان منه وهو فى سبيل البحث عن الله، قبل أن تأتيه الرسالة، وكأنه يدعو بهذه النظرة قومه إلى أن يسلكوا الطريق الذي سلك، وأن يهتدوا إلى الله بعقولهم كما اهتدى، إن كانوا يستنكفون من اتباعه، والأخذ بما يدعوهم إليه.. ولكن لم تكن لهم عقول تعقل، ولا آذان تسمع.. فولّوا عنه مدبرين.
وقد أقام أكثر المفسرين تأويلهم، لقوله تعالى:«فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ» على أن ذلك النظر كان فى مواجهة قومه، وفى معرض