يكون لله سبحانه وتعالى فضل على غيرهم، أو أن يؤتى- سبحانه- أحدا غيرهم كتابا، كما أتاهم كتابا، فمكروا به وحرّفوه.
لهذا أمر الله نبيّه- عليه السّلام- أن يبطل هذا التصور الفاسد الذي تصوروه، وأن يقول لهم كلمة الحق التي ألقاها الله إليه:«إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ» أي إن الهدى هو ملك لله، لا ملك لأحد معه فيه، وأنه نعمة من نعمه، ورزق من أرزاقه، يضعه حيث يشاء، ويهدى به من يشاء، وأنه ليس محبوسا على اليهود وحدهم، مقصورا عليهم، لا ينال منه أحد غيرهم..
وفى قوله تعالى:«أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ» ما يكشف عن ظن اليهود بأنفسهم، وأنهم فوق العالمين، وأن الله هو ربّهم وحدهم، وأن رحمته ونعمته لا تنزلان إلا عليهم، وهم لهذا ينكرون كل نعمة تصيب غيرهم، وكل فضل يناله سواهم. كما يقول الله سبحانه وتعالى عنهم «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً، حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ»(١٠٩ البقرة) ويقول سبحانه فيهم: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ»(٥٤: النساء) المصدر المؤول من أن وما بعدها فى قوله تعالى: «أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ» هو معمول للام التعليل المتعلق بفعل محذوف قبله، تقديره:
فلا تقتلوا أنفسكم حسدا لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ركبتم الضلال وعميتم عن الحق، وفقدتم عقولكم فأهلكتم أنفسكم؟
وقوله تعالى:«أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ» معطوف على قوله تعالى «أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ» .