أن يردّ قضاء الله، فى هؤلاء المشركين، الذين حقّت عليهم كلمة العذاب، وأنهم من أصحاب النار، فليدعهم الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- لمصيرهم هذا، بعد أن أعذر إليهم، وبلّغهم رسالة ربه..
وقوله تعالى:«أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ» استفهام يراد به النفي، وهو جواب للشرط قبله.. «أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ» أي أفمن حق عليه كلمة العذاب، ينتفع بالهدى الذي بين يديك أيها النبىّ، ويتحول من الشرك إلى الإيمان؟ ذلك محال.. «أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ» ؟ إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب..
قوله تعالى:
«لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ» هو إشارة إلى أن قضاء الله فى خلقه، ليس حجة لأهل الضلال على ما هم فيه من ضلال، وأن عليهم أن يعملوا بمعزل عما لله من مشيئة فيهم، لأنهم لا يدرون ما تلك المشيئة.
فهؤلاء المؤمنون من عباد الله، المتقون لحرماته، قد أخذوا بالأسباب التي من شأنها أن تدنيهم من الله، وتبلغ بهم منازل رضوانه، دون أن يعلموا مشيئة الله فيهم. ولكنهم مع هذا قد أخذوا بالأسباب.. إنهم لم يستسلموا للقدر إلا وهم على طريق العمل.. وهذا هو ما يقضى به العقل.. إن العاقل لا يلقى بنفسه بين مخالب حيوان مفترس، أو يضع يده فى فم حيّة..
بل إنه ليفر من وجه هذا الخطر، وإن كان هذا لا يمنع القدر المقدور له! ..