ففى تلك الجماعة الضالة المعربدة أفراد قليلون يخافون الله ويرعون الأمانة التي فى أيديهم، سواء أكانت من الله أم من الناس، فلم يخونوا أمانة الله، ولم يكتموا ما فى أيديهم من التوراة عن النبىّ «محمد» ورسالته، ولم يخونوا الناس فى الأمانات التي اؤتمنوا عليها، وإن كانت القناطير المقنطرة من الذهب والفضة..
وهؤلاء النفر القليل هم الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى فى قوله سبحانه «مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ» :
(١١٣- ١١٤: آل عمران) أما أكثر هذه الجماعة فهى على الضلال والعمى، وفى العداوة والبغضاء والحسد للناس جميعا، ولأهل الإيمان بخاصة.. فهذه الكثرة لا ترعى أمانة الله، ولا تحفظ أمانة الناس.. أما حسابهم مع الله فقائم على أنهم أبناؤه وأحباؤه، لهم أن يفعلوا معه ما يشاءون ويشاء لهم الهوى، دون أن ينالهم بشىء من عقابه وعذابه.. وأما حسابهم مع الناس، فالناس فى نظرهم وتقديرهم فى درجة دون درجتهم، وبينهم وبين الناس حجاز فى الفضائل وفى التكوين الجسدى والخلقي والروحي، كهذا الحجاز الذي بين الناس وفصائل القردة والحيوانات القريبة الشبه بالإنسان.
فالناس- فى تقدير اليهود- قطيع من الحيوان، وإن لهم- بهذا التقدير- أن يستغلّوا هذا القطيع الآدمي، كما يستغلّون الحيوان، وألا يرتبطوا معه بروابط العقود والوثائق، وإن ارتبطوا فلهم أن يتحلّلوا منها ما وسعهم