هو إلفات إلى نعمة جليلة من نعم الله، إلى جانب ما ينزل سبحانه من نعم.. فهو سبحانه الذي أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وأخرج منها حبّا ونباتا، تغتذى منه الأجسام، وإنه يغير هذا الماء، وبما يخرج من الأرض من ثمرات، لا يكون للإنسان ولا لكائن حىّ حياة..
ثم هو سبحانه بعد أن كفل للإنسان حياته، وللجسم حاجته- أنزل له من السماء ما يحيا به الجانب الروحىّ منه.. فالإنسان ليس جسدا وحسب، مثل سائر الأحياء، وإنما هو جسد وروح، وهو بهذا الجسد وحده حيوان، ولا تتحقق إنسانيته إلا بالجسد والروح معا..
وقوله تعالى:«اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ» .. هو بيان للغذاء الروحي الذي أنزله الله، وهو القرآن الكريم.. إنه حديث الله إلى عباده، وكلماته إليهم.. فأى حديث أحسن من حديث الله؟ وأي كلام أكرم وأطيب من كلامه؟.
وقوله تعالى:«كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ» .. هو بدل من قوله تعالى:
«أَحْسَنَ الْحَدِيثِ» ..
وهو وصف لأحسن الحديث، وبيان له.. فأحسن الحديث، هو هذا الكتاب، أي القرآن الكريم، وهو كتاب متشابه فى جلال قدره، وعلوّ منزلته، وسموّ معانيه.. إنه الحق فى آياته وكلماته.. فهو على درجة واحدة