فى وسط هذا الظلام المتراكم من الكفر، ومن خلال هذا الدخان المتصاعد من معاقل الضلال، ومواقع الشرك- تشرق الأرض بنور ربها، وفى سنا هذا النور القدسي يؤذّن مؤذّن الحق، بين ظلام هذا الكفر المتراكم، ودخان هذا الضلال المتصاعد، داعيا هؤلاء الغرقى فى بحار الكفر والضلال:
إن الغرقى إذ يسمعون هذا النداء الكريم ليرون بأعينهم رأى العين، مراكب النجاة تخفّ إليهم من كل جهة، وليس عليهم إلا أن يتعلقوا بها، ويشدوا أيديهم عليها، لتحملهم إلى شاطىء النجاة والسلامة..
ولكن ما أكثر الذين يرون الخير ولا يتجهون إليه، ويشهدون النور ولا يفتحون أعينهم عليه.. وفى ابن نوح مثل يشهد لهذا، فقد كان يرى بعينيه الطوفان يهجم عليه، ويكاد يبتلعه فيمن ابتلع من الضالين والغاوين، وأبوه يناديه: يا بنىّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين.. فيأبى إلا أن يركب رأسه، ويلقى بيده إلى التهلكة! وهؤلاء هم أبناء نوح، يناديهم ربّ العزّة هذا النداء الرحيم:«يا عبادى» .
ويضيفهم سبحانه وتعالى إليه إضافة رحمة ورعاية، وإحسان، تعلو على إضافة الأبناء إلى الآباء، حنانا ورحمة وإحسانا..
وهؤلاء الذين ينادون من ربهم هذا النداء الرحيم الكريم، ويضافون إلى عزته وجلاله إضافة الرحمة والإكرام- هم العصاة، الخارجون على حدود الله، المعتدون على حرماته، الجاحدون لنعمه..