هذه المعجزة التي كشف بها عن حلم فرعون، والتي قرأ عليهم فيها من صحف الغيب ما سيطلع عليهم من أحداث.. ثم رأوا منه هذه الآيات المعجزة فى هذه التدبير المحكم الذي ساس به البلاد، وقاد به سفينتها إلى شاطىء الأمن والسلام، وهى فى متلاطم الأمواج العاتية، وقد كانت وشيكة أن يبتلعها اليمّ..
ذلك هو يوسف، وتلك هى آياته البينات التي رآها آباؤهم منه..
ومع هذا فقد كانوا فى شك منه.. بين مصدّق بدينه الذي يدعو إليه من عبادة الله الواحد القهار، وبين مكذّب متّهم له فيما عنده من علم، لا يتجاوز به فى تقديرهم أن يكون ساحرا عليما.. وهكذا يمضى القوم مع يوسف، حتى يهلك، دون أن يجتمعوا على رأى فيه.. فلما هلك يوسف، وأفلت من أيديهم هذا الخير الذي كان ينبغى أن ينالوه على يديه، تطلعوا إلى هذه الشمس الغاربة من أفقهم فى أسى وحسرة.. وانتظرا أن تطلع عليهم شمس أخرى فى صورة يوسف جديد.. فلما طال انتظارهم جيلا بعد جيل، استيأسوا وصرفوا أبصارهم عن ترقبه، وقالوا فى يأس وحسرة:«لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا» ! وها هو ذا قد جاء الرسول، الذي كانوا يتطلعون إليه.. أفلا يرون فى موسى وجها كوجه يوسف، فيما يدعو إليه من عبادة إله واحد، وفيما بين يديه من آيات بينات؟ وأ يقفون من موسى موقف الشك والارتياب الذي وقفه آباؤهم من يوسف؟ ثم هل ينتظرون رسولا آخر بعد أن يمضى موسى؟.
ذلك هو الواقع الذي هم فيه الآن.. فماذا هم فاعلون؟ وإلى أىّ متجه يتجهون؟ أإلى الشك والارتياب؟ أم إلى التصديق والإيمان؟ ذلك لهم..