بقي هنا سؤال، وهو: هل كان مؤمن آل فرعون نبيا مرسلا من عند الله إلى فرعون؟
وليس بالمستبعد أن يكون نبيا لم يذكره القرآن فى عداد الأنبياء الذين ذكرهم الله، فكثير من الأنبياء لم يذكرهم الله سبحانه فى القرآن كما يقول سبحانه «وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ»(١٦٤: النساء) ولكن يرجّح عندنا أنه غير رسول، إذ لو كان نبيا ذا رسالة، لكان بين يديه حجة من الله على رسالته إلى من أرسل إليهم، ولم يذكر القرآن أن بين يديه تلك الحجة التي يحاجّ بها فرعون.. ومن جهة أخرى، فإنه كان يكتم إيمانه فى مرحلة من مراحل دعوته.. والنبي إنما يرى الناس نبوته ممثلة فى إيمانه بالدين الذي يدعو إليه، قبل أن يدعو أحدا إليه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى للنبى الكريم:«قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ»(١١- ١٢ الزمر) ومؤمن آل فرعون، إن لم يكن نبيا رسولا، فهو داعية من دعاة الله إلى الحق، وهو صوت العقل، وحجته، التي تقوم إلى جانب المعجزة المادية وحجتها..
فلقد جاء موسى إلى فرعون بآيات مادية قاهرة، كان من شأنه أن يؤمن بها إيمان قهر وإذعان، إن لم يؤمن بها إيمان عقل ومنطق.. فلما لم يؤمن بها هذا الإيمان أو ذاك، جاءه من يدعوه بالعقل والمنطق، فلم يرض لعقله ومنطقه أن يلتقى بعقل أو منطق! ومن هنا قامت عليه الحجة من كل وجه، فكان كفره أغلظ الكفر، وكان عذابه أشد العذاب..