وجحدوا ما عندهم من حقّ فيه- تنكر عليهم هذا الموقف الذي لا ينبغى لعاقل أن يقفه، لأنه يورد بذلك الموقف، موارد الهلاك.. فأى دين غير دين الله يبغون؟ وماذا ينكرون من أمر محمد وقد جاءهم بالحقّ الذي كان معهم مثله من كتاب الله الذي فى أيديهم؟ وهل جاءهم محمد بغير ما جاء به الأنبياء من قبله من دعوة إلى توحيد الله، والإيمان به إلها واحدا، قيّوما، له ملك السموات والأرض؟ إن ذلك هو الحق الذي قام عليه الوجود، وهو الدين الذي دان به لله كل مخلوق، فى ملكوت السموات والأرض.
فكيف يفسق أهل الكتاب هؤلاء، ويخرجون عن هذا الموكب الذي انتظم الوجود كلّه، فى أرضه وسمائه، وفى أحيائه وجماداته؟
وفى قوله تعالى:«وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً» الإسلام هنا الانقياد والخضوع.. وكل ما فى هذا الوجود منقاد لله، خاضع له، إن لم يكن عن ولاء ورضى، فهو عن قهر وسلطان! وماذا تملك المخلوقات من أمرها؟ وهل غير الاستسلام والخضوع؟ إنها جميعا فى يد القدرة القادرة المنصرفة وحدها من غير معترض أو معقب! فمن لم ينقد اختيارا انقاد اضطرارا، والله سبحانه وتعالى يقول «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً»(٩٣: مريم) ويقول سبحانه: «يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ»(٣٣: الرحمن) .. فهل لهؤلاء المحادّين لله، الكافرين به، ملجأ غير الله؟ وهل لهم أن يدفعوا عن أنفسهم ما يصبهم من ضرّ وأذى؟ «قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»(١٦٨: آل عمران)