عليهم، وقد وقع كثير منهم تحت سلطانها القوىّ الآسر، وأحس الهزيمة تكاد تنزل به، وتحطم صخرة كبره وعناده.. فكان همه حينئذ أن يمسك قلبه، وأن يدفع عنه هذا الخطر الذي يتهدده.. إن المعركة هنا بينهم وبين النبي، وما دخل على قلوبهم من كلمات الله التي سمعوها منه.. وإذن فلتغلق هذه القلوب، ولتقم عليها حراسة قوية منهم.. «قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ» .. فهذه قلوبنا التي رميتها بما رميتها به من سهام، قد وضعناها فى أكنّة من إرادتنا المتحدية، بما أصابها من جراح.. وإن الزمن لكفيل بأن تلتئم معه جراحها!.
هذا أول ما ينبغى أن يكون من القوم، فى دفع هذا الخطر الذي دهمهم.. وهذا هو أول ما يكون ممن يدهمه خطر يتهدد وجوده أو يتهدد الشيء الذي يحرص عليه.. إن همه الأول هو الدفاع عن هذا الذي يتهدده الخطر منه، سواء أكانت حياته، أو كان متاعه! حتى إذا استشعر النجاة من هذا الخطر، كان له بعد ذلك أن ينظر فى المنافذ الأخرى التي يهبّ عليه الخطر منها، فيبدأ بالقريب منها أولا، ثم بالذي يليه، وهكذا..
ومن هنا كان نظرهم بعد هذا إلى أقرب شىء يجىء منه الخطر إلى قلوبهم، وهى آذانهم، فأحكموا إغلاقها، ووضعوا عليها سدّا يحول بين الكلمات، وبين النفاذ منها إلى القلوب:«وَفِي آذانِنا وَقْرٌ» .. ثم كان التدبير بعد هذا، أن يبعدوا بأنفسهم- وما معهم من آذان وقلوب- عن مواطن الخطر جملة.. «وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ» .. فذلك هو الذي يقطع كل صلة بينهم وبين موطن الخطر..!