عليهم بما يسوءهم، وإعلامهم بهذا الحكم على مشهد من الناس..
وقوله تعالى:«يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ» - إشارة إلى أن هؤلاء الذين لا يؤمنون، لا تتقبل طبيعتهم الإيمان ولا تستجيب له.. إذا تلى عليهم القرآن لم يقع لآذانهم التي أصموها عنه إلا كما يقع الصوت الوارد من مكان بعيد، خافتا ضعيفا، غير واضح الدلالة، فلا يتبين السامع شيئا لما سمع.
هو عزاء للنبى، وتسرية لهمومه التي يعالجها، من خلاف قومه عليه، وإعراضهم عما يتلو عليهم من آيات ربهم.. فهذه ليست حال هؤلاء القوم وحدهم، بل هى حال كثيرين من أهل الضلال، فى كل أمة وكل جيل مع رسل الله وآيات الله.. وأقرب مثل لهذا مالقى موسى من قومه هؤلاء الذين يراهم المشركون بينهم من اليهود..
فلقد آتى الله موسى الكتاب، أي التوراة، فيها هدى ونور، «فَاخْتُلِفَ فِيهِ» أي فاختلف القوم فى هذا الكتاب، ولم يستقيموا على طريق واحد معه، بل تفرقت بهم السبل، فسلك كل فريق شعبة من شعب الضلال، وإذا هم ثلاث وتسعون فرقة، كما جاء فى الحديث الشريف..
وفى هذا يقول الله تعالى:«وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ»(٤: البينة) ويقول سبحانه: «وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ»(١٩: آل عمران) ..
وإذن فلا يحزن الرسول الكريم إذا رأى خلاف قومه على هذا الكتاب الذي بين يديه، فكان منهم المؤمنون، وكان منهم الكافرون فتلك هى سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى