القبول والصفح، فيقول سبحانه:«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ»(٢٢٢: البقرة) ويقول جل شأنه: «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(٣١: النور) ثم يقول سبحانه: «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ»(٧٥: الشورى) .
فكيف لا يقبل الله توبة من جاء إليه ملبيّا نداءه، باسطا إليه يده بالتوبة والإنابة؟
والآية هنا تقول «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ» فهؤلاء الذين كفروا هم الذين أشارت إليهم الآية السابقة فى قوله تعالى:
«كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ» إنهم- والأمر كذلك- ليسوا مجرد كافرين، ولدوا فى الكفر، ونشأوا على الكفر، وإنما هم كفروا بعد إيمان، وضلّوا بعد هدى.. وليس هذا وحسب، بل إنهم تعمّدوا الخروج من الإيمان، وأطفئوا بأيديهم وبأفواههم النور الذي كان معهم.. وإنهم ليعرفون أنهم على ضلال، ولكن الحسد الذي يأكل قلوبهم جعلهم يلقون بأيديهم إلى التهلكة عن عمد وإصرار.
وإن إنسانا يستبدّ به العناد إلى هذا الحدّ، ويتسلط عليه الهوى إلى هذا المدى الذي يشوّه به معالم وجوده بيده- إن إنسانا كهذا الإنسان لن يرجع إلى الله أبدا، ولن تزيده الأيام إلا عمى وضلالا.. فقد استشرى به الداء، وهيهات أن يكون له دواء:«فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ»(١٠: البقرة) ..
وفى قوله تعالى:«ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً» ما يكشف عن معدن هؤلاء