فى هذه الآية إشارة إلى أن هناك وحيا من نوع آخر، غير الوحى الأول الذي جاء فى مطلع السورة فى قوله تعالى:«كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..
وقد قلنا- حسب فهمنا- إن الوحى الذي أشار إليه قوله تعالى:
«كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» هو وحي من الله بدون وساطة ملك، وأنه المشار إليه فى قوله تعالى:«وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ، إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ» فهذا الوحى، وحي من الله بدون وساطة.. وقلنا إن هذا الوحى من الله سبحانه، هو واقع على الحروف المقطعة التي بدئت بها بعض سور القرآن الكريم.. أما الوحى بوساطة الملك فقد أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله:«وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا» .. وهذا يشمل القرآن الكريم كلّه، عدا تلك الحروف المقطعة.. ولهذا وصف بأنه قرآن عربى، أي يقرأ ويفهم عند من يحسن العربية ويفهم لغتها.. ولهذا أيضا اتبع بالعلة التي من أجلها كان وحي هذا القرآن، وهى التبليغ والإنذار:«لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى» أي أهل مكة «وَمَنْ حَوْلَها» أي ومن حولها من أهل القرى والخيام..
ووصف مكة بأنها أم القرى، إشارة إلى أنها ستكون قبلة المسلمين فى صلاتهم، ومجتمعهم فى حجّهم..