للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، وليست التوبة، كلمة يلفظ بها اللسان، وإنما هى نية منعقدة على الندم على ما وقع من ذنوب، وعلى العزم على تجنب المعصية.

روى عن جابر بن عبد الله، أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «اللهم إنى أستغفرك وأتوب إليك، وكبر (أي تكبيرة الإحرام للصلاة) - فلما فرغ من صلاته، قال له علىّ كرم الله وجهه: يا هذا، إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين، وتوبتك تحتاج إلى توبة! فقال:

يا أمير المؤمنين.. وما التوبة؟ قال: اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب بالندامة، ولتضييع الفرائض، الإعادة، وردّ المظالم، وإذابة النفس فى الطاعة كما ربيتها فى المعصية، وإذاقة النفس مرارة الطاعة، كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته» .

قوله تعالى:

«وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ» .

هو معطوف على قوله تعالى: «وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» - أي وهو سبحانه، يستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي أنه سبحانه يقبل على عباده التائبين، ويقبلهم.. فمعنى الاستجابة هنا القبول، ولهذا عدّى الفعل «يستجيب» لتضمنه معنى القبول.. أما الكافرون فلا يقبل عليهم الله سبحانه ولا يقبلهم ولهم عذاب شديد.. ويجوز أن يكون الفعل مسندا إلى «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» أي أنهم يستجيبون لله، ويقبلون عليه تائبين.. وفى هذا إشارة إلى أن تقديم توبته سبحانه وإقباله على التائبين قبل أن يتوبوا- هى دعودة من الله سبحانه وتعالى إلى العصاة، وقد قبلت توبتهم قبل أن يتوبوا، وما عليهم إلا أن يستجيبوا لله، ويقبلوا هذا العطاء العظيم، من الرب الكريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>