للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي أن الله سبحانه وتعالى إذ يعفو عن كثير من الذنوب، ولم يعجّل بجزاء أهلها عليها- فليس ذلك لما يكون للمذنبين من جاء أو سلطان، فسلطان الله فوق كل سلطان، وقوته فوق كلّ قوة، وليس لأحد عاصم يعصمه من بأس الله، أو يدفع عنه عذابه، فى الدنيا أو فى الآخرة، ولكنّ الله سبحانه يمهل الظالمين، ويمدّ لهم فى الضلالة، ليزدادوا إثما.. وفى هذا يقول الله تعالى:

«قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا» .. (٧٥: مريم) ويقول سبحانه: «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ» (١٧٨: آل عمران) .

روى عن الإمام أحمد عن عقبة بن عامر، رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا ما يحبّ فإنما هو استدراج «١» » ثم تلا قوله تعالى: «فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (٤٤: ٤٥ الأنعام) .

قوله تعالى:

«وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ» .

أي ومن الآيات الدالة على قدرة الله، وعلى بسطة سلطانه، وعلى فضله وإحسانه على عباده، هذه «الْجَوارِ» أي السفن الجارية على الماء، كالجبال فى ضخامتها، وارتفاعها فوق سطح الماء.. فهى المعالم الوحيدة القائمة فوق وجه الماء، كما تقوم الجبال على اليابسة..

فهذه الجواري، إنما تجرى بقدرة الله سبحانه وتعالى، بهذه الرياح


(١) استدراج الله تعالى العبد، أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة وأنساه الاستغفار أو أن يأخذه قليلا قليلا ولا يباغته.

<<  <  ج: ص:  >  >>