وتقديره، بل إن هذا الإلزام هو حماية للشخص من أن يتّبع هواه، أو أن يذهب مذهبا غير مأمون العاقبة، لو أنه أخذ برأيه، وترك رأى الجماعة، إذ كان رأيها هو الرأى الذي تلاقت عنده الآراء، ونخلته العقول..
وإذا كان الإجماع هو الوجه البارز من وجوه الشورى، فإن للشورى وجوها أخرى.. إذ ليس كل أمر يعرض للجماعة الإسلامية، ينتهى بالتشاور فيه، إلى إجماع فى الرأى، على نحو الإجماع المعروف فى الشريعة..
بل قد يقع الخلاف فى الرأى على أمر من الأمور، ثم يرجح جانب فيه على جانب، فيؤخذ بالجانب الراجح، ويترك الجانب المرجوح..!
على أن الذي يعنينا هنا ليس هو صور الشورى، وأشكالها، وإنما الذي يعنينا، وله المقام الأول، هو مبدأ الشورى ذاتها، من حيث اعتبارها حقيقة من حقائق الإسلام، وحكما من أحكامه العاملة التي يأخذ المسلم نفسه بها، ويقيم حياته عليها..
ففى قوله تعالى:«وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ» خبر يراد به الأمر، من حيث اقترن بركنين من أركان الدين، وتوسطهما، وهما إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، المأمور بهما شرعا.. فكان حكم الشورى حكمهما، من حيث الوجوب والإلزام..
وفى مجىء الشورى بعد إقامة الصلاة، وقبل إيتاء الزكاة، إشارة إلى أمور:
أولا: أن الصلاة أقوال وأفعال، والشورى كذلك أقوال تعقبها أفعال..
أما الزكاة فهى أفعال خالصة.. فناسب أن تقترن الشورى بالصلاة لمشاكلتها فى صورتها، وأن تتقدم من أجل هذا على الزكاة.